من يحاسب الرئيس؟
بقلم فهمي هويدي
أمس أبرزت صحف الصباح العناوين التالية: مبارك يعطى دفعة جديدة للعمل الوطنى ــ الرئيس يطلب من الحكومة الإسراع بتنفيذ برنامجه الانتخابى فى مواعيده المقررة (الأهرام) ــ الرئيس يواجه الحكومة ويحاسب وزراءها: ماذا فعلتم للناس؟ ــ مراعاة مصالح المزارعين عند تحرير الأسعار. وحل مشاكل المياه فى نهايات الترع (روزاليوسف) ــ الرئيس غير راض عن أداء الحكومة واحتمالات خلافته نظيف فى تغيير وزارى شامل (الدستور) ــ مبارك يمهل الحكومة 30 يوما لوضع نظام جديد لاستغلال أراضى الدولة (المصرى اليوم).
كان الرئيس مبارك قد دعا مجلس الوزراء إلى اجتماع مفاجئ، قبل سفره إلى واشنطن وتوقفه فى باريس، التى أصبحت محطته المعتادة. وجاء الاجتماع ليبعث إلى الرأى العام بعدة رسائل إحداها تطمئن الجميع إلى أن الرئيس محتفظ بنشاطه ويمارس مهامه العادية، الثانية أن الرئيس مهتم بالفقراء ومحدودى الدخل، خصوصا ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية ورئاسية،
الثالثة أن الرئيس لم يتوقف عن مساءلة الوزراء ومحاسبتهم على أدائهم وعلى ما يقدمونه للناس. وقد فهمت أن سؤاله للوزراء عما قدموه للناس كان على سبيل الاستنكار وليس الاستفهام. أعنى أنه أراد أن يقول لهم إن ما قدموه أقل مما هو متوقع منهم. يؤيد هذا المعنى ما نقلته صحيفة الدستور منسوبا إلى مصادر مطلعة ذكرت أن الرئيس غير راض عن الحكومة.
الرسالة الأخيرة هى أكثر ما يهمنى فى اللحظة الراهنة. ذلك أننا نعلم جيدا أن الدستور المصرى الصادر فى عام 1971، أعطى الرئيس سلطات مطلقة فى ممارسته للسلطة التنفيذية ورسمه السياسة والإشراف على تنفيذها. وهو فى الوقت ذاته حكم بين السلطات الأمر الذى يمكنه من أن يتحكم فى السلطات الأخرى، ومن ثم يسمح له بأن يكون حكما وخصما فى وقت واحد.
نعلم أيضا أن الرئيس يباشر تلك السلطات دون أن يكون مسئولا أمام أى جهة دستورية، إلا أن يعاد انتخابه مرة كل ست سنوات، دون حد أقصى لمرات الانتخاب وتولى الرئاسة. وطوال سنوات بقائه فى الحكم لا توجد جهة فى الدستور أو هيئة أو سلطة دستورية تملك أن تحاسبه أو تعترض على قرار له أو تراجعه فى قرار اتخذه.
هذا الكلام ليس من عندى ولكننى اقتبسته مما كتبه المستشار طارق البشرى فى كتابه «مصر بين العصيان والتفكك»، وخلص منه إلى أن الرئيس فى مصر هو المسئول الأوحد وغير المسئول الأول. (بهذه المناسبة أتيح لى أن أقارن بين صلاحيات الولى الفقية فى إيران التى يقال إنها دولة دينية.
وبين صلاحيات الرئيس فى مصر التى تصنف باعتبارها دولة مدنية، ووجدت أن صلاحيات الرئيس المصرى تتجاوز بكثير صلاحيات الولى الفقيه. الذى لا يملك سلطة حل البرلمان المنتخب فى حين أن الرئيس فى مصر له هذا الحق، كما أن الولى الفقيه لا يتدخل فى قرارات التنفيذ، ولكنه يرجع إليه فى السياسات الكبرى. أما الرئيس المصرى فهو المرجع فى كل قرارات التنفيذ من عقد اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل إلى تحديد موقع المفاعل النووى فى الضبعة).
لقد ذكر لى الدكتور ثروت بدوى أستاذ القانون الدستورى أنه قدم ذات مرة بأنه الرجل الذى يؤدى دورا مدهشا فى مصر، حيث يقوم بتدريس الدستور فى بلد ليس فيه دستور. وإنما فيه الرئيس فقط الذى يملك سلطات مطلقة وهو فوق القانون وفوق المساءلة.
نحن نعرف أنه ما من مسئول فى الدولة ألقى خطابا أو تقدم خطوة، إلا وحرص على أن يسجل أمام الملأ استلهامه وامتثاله لتوجيهات الرئيس وعمله بمقتضاها. وأعرف رئيسا للوزراء لم يكن يذهب إلى مكتبه كل صباح إلا بعد أن يتصل بالرئيس هاتفيا ليسأله عن توجيهاته وتكليفاته، لذلك أزعم أن ما تنشره الصحف عن أن الرئيس يطلب كذا وكذا هو تعبير تنقصه الدقة، لأنه فى الحقيقة يأمر ولا يطلب.
فإذا أصاب فالفضل والمجد له، وإذا أخطأ فالآخرون يدفعون الثمن ويتعرضون للإدانة والتقريع. وأحسب أننا نعيش هذه الأيام أجواء التضحية بالآخرين للحفاظ على صورة الرئيس وإنقاذها من رذاذ السخط والغضب. إن المشكلة فى مصر لم تعد مشكلة حكومة تذهب وأخرى تجىء، ولكنها أصبحت أبعد من ذلك وأعقد.
من ثم فتوجيه خطاب الاتهام بالعجز أو الفشل إلى الحكومة وحدها يعد خطأ فى العنوان يتعين تصحيحه، إذا أردنا حلا جذريا للمشكلة
أمس أبرزت صحف الصباح العناوين التالية: مبارك يعطى دفعة جديدة للعمل الوطنى ــ الرئيس يطلب من الحكومة الإسراع بتنفيذ برنامجه الانتخابى فى مواعيده المقررة (الأهرام) ــ الرئيس يواجه الحكومة ويحاسب وزراءها: ماذا فعلتم للناس؟ ــ مراعاة مصالح المزارعين عند تحرير الأسعار. وحل مشاكل المياه فى نهايات الترع (روزاليوسف) ــ الرئيس غير راض عن أداء الحكومة واحتمالات خلافته نظيف فى تغيير وزارى شامل (الدستور) ــ مبارك يمهل الحكومة 30 يوما لوضع نظام جديد لاستغلال أراضى الدولة (المصرى اليوم).
كان الرئيس مبارك قد دعا مجلس الوزراء إلى اجتماع مفاجئ، قبل سفره إلى واشنطن وتوقفه فى باريس، التى أصبحت محطته المعتادة. وجاء الاجتماع ليبعث إلى الرأى العام بعدة رسائل إحداها تطمئن الجميع إلى أن الرئيس محتفظ بنشاطه ويمارس مهامه العادية، الثانية أن الرئيس مهتم بالفقراء ومحدودى الدخل، خصوصا ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية ورئاسية،
الثالثة أن الرئيس لم يتوقف عن مساءلة الوزراء ومحاسبتهم على أدائهم وعلى ما يقدمونه للناس. وقد فهمت أن سؤاله للوزراء عما قدموه للناس كان على سبيل الاستنكار وليس الاستفهام. أعنى أنه أراد أن يقول لهم إن ما قدموه أقل مما هو متوقع منهم. يؤيد هذا المعنى ما نقلته صحيفة الدستور منسوبا إلى مصادر مطلعة ذكرت أن الرئيس غير راض عن الحكومة.
الرسالة الأخيرة هى أكثر ما يهمنى فى اللحظة الراهنة. ذلك أننا نعلم جيدا أن الدستور المصرى الصادر فى عام 1971، أعطى الرئيس سلطات مطلقة فى ممارسته للسلطة التنفيذية ورسمه السياسة والإشراف على تنفيذها. وهو فى الوقت ذاته حكم بين السلطات الأمر الذى يمكنه من أن يتحكم فى السلطات الأخرى، ومن ثم يسمح له بأن يكون حكما وخصما فى وقت واحد.
نعلم أيضا أن الرئيس يباشر تلك السلطات دون أن يكون مسئولا أمام أى جهة دستورية، إلا أن يعاد انتخابه مرة كل ست سنوات، دون حد أقصى لمرات الانتخاب وتولى الرئاسة. وطوال سنوات بقائه فى الحكم لا توجد جهة فى الدستور أو هيئة أو سلطة دستورية تملك أن تحاسبه أو تعترض على قرار له أو تراجعه فى قرار اتخذه.
هذا الكلام ليس من عندى ولكننى اقتبسته مما كتبه المستشار طارق البشرى فى كتابه «مصر بين العصيان والتفكك»، وخلص منه إلى أن الرئيس فى مصر هو المسئول الأوحد وغير المسئول الأول. (بهذه المناسبة أتيح لى أن أقارن بين صلاحيات الولى الفقية فى إيران التى يقال إنها دولة دينية.
وبين صلاحيات الرئيس فى مصر التى تصنف باعتبارها دولة مدنية، ووجدت أن صلاحيات الرئيس المصرى تتجاوز بكثير صلاحيات الولى الفقيه. الذى لا يملك سلطة حل البرلمان المنتخب فى حين أن الرئيس فى مصر له هذا الحق، كما أن الولى الفقيه لا يتدخل فى قرارات التنفيذ، ولكنه يرجع إليه فى السياسات الكبرى. أما الرئيس المصرى فهو المرجع فى كل قرارات التنفيذ من عقد اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل إلى تحديد موقع المفاعل النووى فى الضبعة).
لقد ذكر لى الدكتور ثروت بدوى أستاذ القانون الدستورى أنه قدم ذات مرة بأنه الرجل الذى يؤدى دورا مدهشا فى مصر، حيث يقوم بتدريس الدستور فى بلد ليس فيه دستور. وإنما فيه الرئيس فقط الذى يملك سلطات مطلقة وهو فوق القانون وفوق المساءلة.
نحن نعرف أنه ما من مسئول فى الدولة ألقى خطابا أو تقدم خطوة، إلا وحرص على أن يسجل أمام الملأ استلهامه وامتثاله لتوجيهات الرئيس وعمله بمقتضاها. وأعرف رئيسا للوزراء لم يكن يذهب إلى مكتبه كل صباح إلا بعد أن يتصل بالرئيس هاتفيا ليسأله عن توجيهاته وتكليفاته، لذلك أزعم أن ما تنشره الصحف عن أن الرئيس يطلب كذا وكذا هو تعبير تنقصه الدقة، لأنه فى الحقيقة يأمر ولا يطلب.
فإذا أصاب فالفضل والمجد له، وإذا أخطأ فالآخرون يدفعون الثمن ويتعرضون للإدانة والتقريع. وأحسب أننا نعيش هذه الأيام أجواء التضحية بالآخرين للحفاظ على صورة الرئيس وإنقاذها من رذاذ السخط والغضب. إن المشكلة فى مصر لم تعد مشكلة حكومة تذهب وأخرى تجىء، ولكنها أصبحت أبعد من ذلك وأعقد.
من ثم فتوجيه خطاب الاتهام بالعجز أو الفشل إلى الحكومة وحدها يعد خطأ فى العنوان يتعين تصحيحه، إذا أردنا حلا جذريا للمشكلة